مع استمرار قضية تسليم المديرة المالية لشركة هواوي، الآنسة مينغ وانزهو، بدأ محامو مينغ في تسليط الضوء على المخالفات التي مارستها الجهات القانونية المحلية، خصوصاً المخالفات التي تمت في مرحلة اعتقالها وتفاصيل انتهاك حقوقها، ما قد يؤدي لتغيير مجريات القضية أو تعطيلها بأكملها ويلغي قضية التسليم التي يجمع الكثير من المطلعين على القضية على بأنها ذات دوافع سياسية.

 

فيما يلي بعض الأدلة الجديدة التي تم تقديم للمحكمة عن الإجراءات الأولى للقضية والانتهاكات التي تخللت عملية الاعتقال:

 

"الخطة الأولى": اعتقال الآنسة مينغ وانزهو

في 30 نوفمبر 2018، تلقت وحدة الاتصال الداخلي الأجنبي في شرطة الخيالة الكندية الملكية طلباً يتعلق بقضية مينغ من وزارة العدل الأمريكية بالنيابة عن حكومة الولايات المتحدة. ومن غير المعروف كيف علمت الولايات المتحدة بسفر الآنسة مينغ إلى كندا في ذلك اليوم.

 

أشار "ييب"، الموظف في شرطة الخيالة الكندية الملكية إلى أنه تواجد في المطار بين الساعة 18.50 حتى 21.00، حيث تم وضع خطة اعتقال الآنسة مينغ. ونصّت "الخطة الأولى" على "اعتقال مينغ بشكل فوري" من الطائرة عند هبوطها في مطار فانكوفر في صباح اليوم التالي. وصدر أمر "الاعتقال الفوري" عن القاضي فليمينغ في المحكمة العليا لكولومبيا البريطانية في 30 نوفمبر 2018.

 

تغيير الخطة

تم تغيير الخطة في الاجتماع الذي عقد في الساعة 9.30 من صباح 1 ديسمبر، حيث قرر ضباط شرطة الخيالة ووكالة خدمات الحدود عدم اعتقال مينغ بشكل فوري وتم الاتفاق بدلاً من ذلك على أن تتعرف وكالة خدمات الحدود الكندية عليها وتقوم بتنفيذ إجراءات DART الاعتيادية لاحتجازها على الفور.

 

DART هو مصطلح تستخدمه وكالة خدمات الحدود الكندية للإشارة إلى إجراءات نزول الركاب ومهام الفرق المتنقلة. ولم يتم الكشف عن سبب تغيير الخطة ولا تشير أي من ملاحظات وكالة خدمات الحدود الكندية أو التصريحات الرسمية إلى الاجتماع الذي عقد في الساعة 9.30 صباحاً بأي شكل من الأشكال. وقالت هيئة الدفاع أن الملاحظات التي قام بها موظفو وكالة خدمات الحدود تعتبر "إغفالاً استراتيجياً". وبالتالي فقد ناقشت شرطة الخيالة الكندية ووكالة خدمات الحدود قبل ساعتين من وصول مينغ إلى فانكوفر كيفية استخدام وكالة خدمات الحدود سلطات التفتيش المنوطة بها لاحتجاز مينغ و"تفتيشها" بدلاً من اعتقالها بشكل فوري بناءً على أمر القاضي.

 

انتهاك أمر المحكمة

بعد التحقق من جواز سفر الآنسة مينغ، قام ثلاثة ضباط من وكالة خدمات الحدود الكندية باحتجازها على الفور، فيما كان اثنان من ضباط شرطة الخيالة الكندية الملكية يقفان في مكان قريب ويراقبان ما يحدث دون أن يقوموا بأي إجراء وهم على علم تام بما يحدث بتواطؤ واضح على انتهاك أمر القاضي فليمينغ. ولم تخبرها وكالة خدمات الحدود أو شرطة الخيالة الكندية بحقها في الاستعانة بمحامٍ، وهو ما يخالف الفقرة 10 (b) من القانون. ثم تم اصطحابها إلى المنطقة الثانوية من مطار فانكوفر. ولم يعتقل ضباط وكالة خدمات الحدود الآنسة مينغ كما لم يبلغوها بسبب الاحتجاز، وهو ما يتعارض مع المواثيق القانونية.

 

إرغام مينغ على تزويد الشرطة برموز المرور الخاصة بهواتفها ونقل الهواتف بشكل غير قانوني

عند الساعة 12:14 ظهراً، وبعد تفتيش حقائب الآنسة مينغ، وضع ضابط الحدود كيركلاند قائمة بالأجهزة الإلكترونية الإضافية التي وجدها بما فيها جهاز "آبل آي باد" وجهاز "ماكبوك" وردي اللون وذاكرة تخزين USB سعة 256 جيجابايت سوداء اللون من نوع Cruze Glide 3.0". وتمت مصادرة الأجهزة الإلكترونية بناء على طلب مكتب التحقيقات الفيدرالية.

 

وأثناء استجواب مينغ بخصوص أنشطة هواوي في إيران، أجبر كيركلاند مينغ على تزويدهم برموز المرور لأجهزتها الإلكترونية، حيث قام بتدوين الرموز في دفتره وعلى "قصاصة ورقية" كانت موضوعة على الطاولة بجانب الأجهزة الإلكترونية. واعترف المحامون الكنديون أمام المحكمة العليا في كولومبيا البريطانية في وقت لاحق بأنه تم تزويد الشرطة بهواتف الآنسة مينغ وأجهزتها الإلكترونية عن طريق الخطأ.

 

وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني مدرجة في إفادة خطية مقدمة إلى المحكمة، قالت نيكول غودمان، رئيسة عمليات نقل الركاب في وكالة خدمات الحدود الكندية في مطار فانكوفر أنها أرسلت رسالة إلى شرطة الخيالة الكندية الملكية بعد أن علمت بالخطأ الذي وقع. وكتبت غودمان: "أبلغت شرطة الخيالة الملكية الكندية بأنه لا يجوز لوكالة خدمات الحدود تزويد شرطة الخيالة برموز المرور التي حصلت عليها أثناء التفتيش وأنه لا يجوز استخدام الرموز لفتح الأجهزة أو مشاركتها مع طرف ثالث (أي الجهات القانونية الأخرى)".

 

تحقيق جنائي سري

واصل موظفو خدمات الحدود الملكية الكندية استجواب مينغ دون الكشف عن وجود مذكرة توقيف بحقها. ولم تجب السلطات على سؤال مينغ حول التفتيش أو تخبرها بأنها رهن الاحتجاز من قبل وكالة خدمات الحدود بانتظار اعتقالها من قبل شرطة الخيالة الملكية، بل وجهت إليها أسئلة عن أنشطة هواوي التجارية في إيران والتي تتعلق بالاتهامات الأمريكية.

 

ووفقاً لشهادة هيئة الدفاع، نصّت المذكرة على اعتقال مينغ بشكل "فوري"، إلا أن مسؤولي الحدود احتجزوها لمدة ثلاث ساعات بحجة أنهم ينظرون في إمكانية السماح لها بالدخول إلى كندا. ولم تكن هناك أي فرصة لإبعاد الآنسة مينغ عن البلاد نظراً لأمر الاعتقال الصادر بحقها. ولم يعترف المسؤولون بذلك بشكل رسمي وما زال وضعها كمهاجرة في كندا طي النسيان.

 

انتهاك حقوق الآنسة مينغ

على مدار فترة احتجاز الآنسة مينغ بشكل غير القانوني والتي استمرت لثلاث ساعات، كان أعضاء شرطة الخيالة الكندية يخبرون وزارة العدل بما يحدث مكتفين بالمراقبة. ولم تتدخل وزارة العدل أو تخبر شرطة الخيالة أو وكالة خدمات الحدود بأنهم انتهكوا مذكرة التوقيف أو أن عليهم إبلاغ مينغ بحقوقها القانونية. وبالتالي فقد كانت وزارة العدل على اطلاع تام على خطة الاعتقال المؤجلة.

 

من جهة ثانية، قال محامو مينغ بأن وكالة التجسس الوطنية الكندية وضعت خطة لضباط الحدود لاحتجاز المسؤولة في شركة هواوي لعدة ساعات قبل اعتقالها في مطار فانكوفر وأنهم كانوا على دراية بالآثار السياسية لاعتقالها. وورد في وثيقة الدفاع ما يلي: "كان المسؤول عن إعداد التقارير في دائرة الاستخبارات الكندية على معرفة بأن اعتقال الآنسة مينغ سيكون حدثاً سياسياً بارزاً، حيث قال بأنه "من المحتمل أن يلقى خبر الاعتقال أصداء كبيرة في جميع أنحاء العالم...". كما أوضح التقرير قلق الاستخبارات الكندية من نشر خبر الاعتقال وذكر بأن توقيت الاعتقال "قد يؤخر اعتراف الصين بوقوع الحدث".

 

التستر على دور مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل مقصود

ويتضح من تقرير الاستخبارات الكندية أنها لم تكن متورطة في التواصل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي وجهات أخرى في التخطيط لاعتقال مينغ فحسب، بل كانت على دراية بالتستر على دور مكتب التحقيقات الفيدرالي. وقال فريق الدفاع: "لقد تجنب مكتب التحقيقات الفيدرالي التواجد في مكان الحدث للتستر على دوره في احتجاز الآنسة مينغ". وقد واصل الموظفون المسؤولون في مكان الحدث التنسيق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي عبر وزارة العدل.

 

يذكر بأن قضية المديرة المالية لشركة هواوي مينغ وانزهو تعتبر أحد أهم محاور توتر العلاقة بين الصين وكندا باعتبار أن كندا رضخت للمطالب الأمريكية في اعتقالها وقد تكون متورطة في التستر عن العديد من الإجراءات الخاطئة والانتهاكات التي حدثت في القضية وأوردنا جزءا منها فيما سبق.

 

ويرى العديد من المراقبين بأن القضية تندرج في إطار محاولات الإدارة الأمريكية لكسر جماح شركة هواوي ووقف تمددها العالمي وريادتها في مجال عدد من التقنيات الحديثة وفي مقدمتها شبكات الجيل الخامس التي تفتقر الولايات المتحدة لوجود أي شركة فاعلة فيها، ما يؤدي لكسر مسار هيمنة أمريكا على التكنولوجيا التي امتدت لقرون

 

وقد اعتقلت مينغ في ديسمبر 2018 من قبل الشرطة الكندية بناءً على طلب الولايات المتحدة، ولا تزال قيد الاحتجاز الاجباري في فانكوفر بعد أن حكم قاض كندي في شهر مايو الماضي بإمكانية متابعة قضية التسليم ضد مينغ. وقد نفت كل من مينغ وشركة هواوي مرارًا ارتكاب أي من المخالفات التي تدعيها أمريكا.