أشار تقرير "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2022" إلى تقدم ملحوظ حقَّقته دول مجلس التعاون الخليجي في مجال التحول الرقمي، والذي انعكس في أدائها المتميز في خمس مؤشرات عالمية كُبرى. وأصدرت "أورينت بلانيت للأبحاث"، الوحدة المستقلة التابعة لـ "مجموعة أورينت بلانيت"، هذا التقرير بالتعاون مع الباحث المستقل عبد القادر الكاملي، خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

واحتلَّت دولة الإمارات العربية المتحدة مركز الصدارة في "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2022"، مُحقِّقةً نمواً كبيراً بلغ متوسطه 66.22، وتلتها المملكة العربية السعودية بمتوسط 59.26، ومن ثم قطر بمتوسط 57.63، فيما حققت كل من عُمان والبحرين والكويت متوسِّطاتٍ بلغت 54.02 و53.43 و51.36 على التوالي. وسلَّط التقرير الضوء على ارتفاع نسب إنفاق دول المجلس على الحلول التكنولوجية الحديثة، في إطار سعيها لبناء اقتصادات قائمة على الابتكارات الرقمية، حيث أشارت إحصاءات صدرت حديثاً إلى أنَّه من المتوقَّع أن يصل إنفاق دولة الإمارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى 23 مليار دولار، مقابل 9 مليارات دولار في قطر و10.1 مليار دولار في الكويت، بحلول عام 2024.

وتولي دول مجلس التعاون الخليجي اهتماماً خاصاً بدور العلوم والتكنولوجيا في رفد مجالات البحث والتطوير والابتكار بالدعم اللازم لتطوير نظم الابتكار الوطنية. وفي هذا السياق، ساهم "المنتدى الاقتصادي العالمي" في إبراز الخصائص المتفردة لدول المجلس، والتي تعزز آفاق فرص توظيف الحلول التكنولوجية الحديثة في مختلف المجالات، فعلى سبيل المثال، يمكن لتبنِّي تقنية الجيل الخامس (5Gواعتمادها في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الحكومية والمدن الذكية، أن يساعد في مواجهة بعض التحديات الإقليمية والمحلية، كإدارة الموارد الطبيعية والتنوع الاقتصادي، بغية تحقيق التنمية المستدامة والنمو الشامل.

وقال نضال أبوزكي، مدير عام "مجموعة أورينت بلانيت": "حقَّقت دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً نوعياً في مسيرة التحول الرقمي الشامل. وهذا ما أكَّده تقرير "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2022"، والذي أثبت فعالية الخطوات التي اتَّخذتها هذه الدول في سبيل ترسيخ حضورها في المشهد الرقمي العالمي. وعملت دول مجلس التعاون الخليجي على تطوير قطاعاتها الرقمية خلال العقد الماضي، وعزَّزت استثماراتها في البنى التحتية الرقمية، وحرصت على تبني المنصات الحكومية الإلكترونية، وإطلاق المجمعات التكنولوجية وحاضنات الأعمال، إلى جانب التزامها بمتابعة تطوير وتطبيق الاستراتيجيات المبتكرة لدفع عجلة التحول الرقمي.  وتعكس هذه العوامل القدرات التنافسية للمنطقة وسعيها المستمر للوصول إلى الريادة العالمية في مجال تبنِّي التكنولوجيا. علاوةً على ذلك، حقَّقت دول المجلس تحولاتٍ نوعية وأطلقت استراتيجيات التنويع الاقتصادي واسعة النطاق في إطار رؤيتها وتوجُّهاتها الرامية إلى الارتقاء بكفاءة وفعالية اقتصاداتها، وحرصت على الانطلاق في مسيرة الرقمنة بوصفها عامل التمكين الرئيسي لتحقيق هذه الأهداف.

ويُظهر "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي" إجمالي أداء كل دولة من دول المجلس في المؤشرات العالمية الخمسة الكُبرى، وهي "مؤشر التنافسية العالمية للمواهب 2021" (GTCI) الصادر عن "إنسياد" (INSEAD)؛ "مؤشر جاهزية الشبكات 2021" (NRI) الصادر عن "معهد بورتولانس" (Portulans Institute)؛ "مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي 2021" (GAR) الصادر عن "أكسفورد إنسايتس" (Oxford Insights)؛ "مؤشر الابتكار العالمي 2022" (GII) الصادر عن "المنظمة العالمية للملكية الفكرية" (WIPO)؛ و"مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية 2022" (EGDI) الصادر عن الأمم المتحدة. 

ولعلَّ أبرز أوجه التطور التي شهدتها دولة الإمارات في الآونة الأخيرة إطلاق بعثة المريخ "مسبار الأمل"، والتي كان لها الدور الأكبر في تعزيز المشهد التكنولوجي في منطقة الخليج العربي. وتعدُّ بعثة المريخ مثالاً رائداً على الجهود الحثيثة التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لتنويع اقتصاداتها والحدِّ من اعتمادها على إنتاج وتصدير النفط والغاز. وأشارت توقُّعات وكالة " إس أند بي جلوبال" إلى أنَّ الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في دول المجلس سيصل إلى 37% تقريباً بنهاية عام 2022، مقارنةً بنسبة 29.2% في العام 2012.

وتماشياً مع أهدافها التنموية، وضعت دول مجلس التعاون تطوير قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات على قائمة أولوياتها، لما له من دورٍ في تعزيز الاقتصاد الرقمي وتحسين مستويات الإنتاجية وتوفير وسائل فعالة للوصول المباشر إلى خدمات الحكومة الإلكترونية. ووفقاً لتقريرٍ صادر عن "غلوبال داتا"، فإنَّه من المتوقَّع أن ينمو إنفاق البحرين بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 8.6% لتصل قيمته إلى 2.1 مليار دولار أمريكي عام 2024، مقارنةً بـ 1.4 مليار دولار عام 2019. ويتوقَّع تقريرٌ آخر صادرٌ عن "إنترناشيونال داتا كوربوريشن" أن يصل إنفاق المملكة العربية السعودية إلى 30.9 مليار دولار، إذ بلغ إنفاق القطاع العام في المملكة 3 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2022.

وأكَّد أبوزكي أنَّ نتائج "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2022" تعكس جهود دول المجلس الرامية إلى تحقيق التحول الرقمي الشامل، إلى جانب التطورات الحالية والآفاق المستقبلية في هذا الصدد، وأشار إلى أهمية دور الاتجاهات السائدة في تمهيد الطريق لازدهار المستقبل الرقمي في المنطقة، بما فيها الاستثمارات المتنامية في التحول الرقمي والخدمات الحكومية الرقمية المتمحورة حول المواطنين والاستراتيجيات السحابية المتعددة ومشاريع "الميتافيرس". وأضاف أبوزكي بأنَّه يمكن للجهات المعنية وأصحاب المصلحة من صناع القرار وواضعي السياسات توظيف نتائج المؤشر لوضع الاستراتيجيات الداعمة لجهود التحول الرقمي، في ظلِّ تزايد الزخم في مجال تطوير البُنى التحتية التكنولوجية في المنطقة وإرساء دعائم التنويع الاقتصادي.

ومن جهته، قال الباحث المستقل عبد القادر الكاملي، خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: "يظهر "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي" تميُّز أداء دول مجلس التعاون الخليجي وفقاً لخمس مؤشرات عالمية، مع تحقيق دولة الإمارات للريادة والصدارة على مستوى المنطقة. وتتابع دول المجلس بذل الجهود الرائدة وتطوير الاستراتيجيات الفعالة في سبيل تعزيز مكانتها العالمية في مجال التحول الرقمي، حيث تشهد المنطقة تطوُّراتٍ هائلة في الابتكارات الرقمية، تمهّد الطريق للمزيد من التقدم والنَّماء.".

وحرصت دول مجلس التعاون الخليجي على المضي قدماً في مسيرة التحول الرقمي وأولته أهميةً خاصةً في خططها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بوصفه جزءاً أساسياً من الثورة الصناعية الرابعة وعاملاً هاماً في تعزيز الفرص التي تقدِّمها ومواجهة التحديات التي تفرضها. وفي هذا الإطار، أطلقت كلٌّ من دولة الإمارات والسعودية والكويت مبادراتٍ رقمية نوعية كجزءٍ من خطط رؤية 2030 الخاصة بكلٍّ منها، وتجلَّى أبرزها في معرض "إكسبو 2020 دبي"، الذي يعدُّ أول معرضٍ عالمي وأكبر حدثٍ إقليمي يستخدم منهجية التعدد السحابي في بنيته التحتية، موظِّفاً خدمات "اتصالات 1C" و "أمازون ويب سيرفيسز".

وبُنِيت نتائج "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2022" بعد دراسة وتحليل المعطيات التي وفَّرتها خمسة مؤشرات عالمية رائدة، أوُّلها "مؤشر التنافسية العالمية للمواهب 2021"، الذي يشمل 175 مدينة من 79 اقتصاداً حول العالم ويقيس قدرتها على النمو واستقطاب المواهب والكفاءات والاحتفاظ بها. وأشار هذا المؤشر إلى أنَّ سياسة الانفتاح الخارجي واسعة النطاق التي تتبنَّاها دولة الإمارات ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز قدرتها على جذب المواهب، والتي تعدُّ واحدةً من مزاياها الرئيسية. كما احتلَّت دولة الإمارات مرتبةً متقدمةً في المراكز العشرة الأولى في المؤشر الفرعي المتعلق بإتاحة الوصول إلى فرص النمو مع توفير إمكانيات متنوعةٍ وفرصٍ عديدة للتعلم مدى الحياة.

أمَّا "مؤشر جاهزية الشبكات 2021"، فهو يصنِّف 130 دولةً من حيث جاهزية شبكاتها وفقاً لأربعة محاور رئيسية، وهي التكنولوجيا والأفراد والحوكمة والتأثير التكنولوجي. وأظهر التقرير تميُّز أداء دولة الإمارات في جميع المحاور، ولاسيَّما محور الأفراد، في حين تقدَّمت السعودية مركزاً واحداً في المؤشر بعد ارتفاع نتائج أدائها في محور التكنولوجيا.

ويقيس "مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي" مدى كفاءة توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين خدمات القطاع العام، ويصنِّف الدول وفق 42 مؤشراً تتوزَّع على القطاعات الحكومية والتكنولوجية والبيانات والبنية التحتية. وأكَّد تقرير المؤشر للعام 2021 أن دول مجلس التعاون الخليجي هي من أكثر دول العالم تنوعاً في درجات الجاهزية الحكومية للذكاء الاصطناعي، وأشاد بتفوُّق سلطنة عمان في قدرتها على تبنِّي تقنيات الذكاء الاصطناعي، مُبرزاً استراتيجيتها المقبلة للذكاء الاصطناعي والتي ستساهم في تعزيز أدائها في هذا المجال.

كما اعتمد "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2022" على نتائج "مؤشر الابتكار العالمي" للعام 2022، حيث يقيس هذا المؤشر أداء 132 دولة في قطاع الابتكار، ويرصد أحدث الاتجاهات العالمية في القطاع. ويصنِّف المؤشر أداء الدول وفقاً لسبع فئات، وهي المؤسسات، ورأس المال البشري والبحوث، والبنية التحتية، وتطور السوق، وتطور الأعمال، والمخرجات المعرفية والتكنولوجية، والمخرجات الإبداعية، والتي تمثِّل مع مؤشِّراتها الفرعية 84 مؤشراً.

وتمَّت كذلك دراسة نتائج "مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية" الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يقيس تنمية وتطور 193 دولة عضو في الأمم المتحدة وتقدُّمها في إنشاء نظام حكومي رقمي. وبيَّن تقرير المؤشر للعام 2022 أن حكومة دولة الإمارات تقدِّم حالياً 500 خدمة إلكترونية للمؤسسات العامة والمستخدمين، وسلَّط الضوء على الأداء الاستثنائي للسعودية في مختلف مجالات تطوير الحكومة الإلكترونية، مشيراً إلى تحسنٍ كبير في أدائها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

وقام فريق الأبحاث الخاص بـ "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2022" باحتساب متوسط النتائج التي حقَّقتها كلُّ دولةٍ من دول مجلس التعاون الخليجي في كلٍّ من المؤشرات على أساس مقياسٍ موحد من 0 إلى 100، آخذين في الحسبان تفاوت المقاييس التي تعتمدها تلك المؤشرات، وتمَّ بعد ذلك تعديل الدرجات وفقاً للمتوسطات التي تمَّ حسابها، بدءاً من الأعلى قيمة.

ويقيِّم "مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي" دول مجلس التعاون الخليجي وفقاً لمعايير نموٍّ متعددة تستند إلى أداء هذه الدول في كُبرى المؤشرات العالمية، ويبرز المؤشِّر تزايد الاستثمارات والمساعي في دول المجلس دعماً لمستهدفاتها التي تتمثَّل بتبنِّي أحدث الحلول التكنولوجية في مختلف القطاعات، بما في ذلك قطاعات الرعاية الصحية والتكنولوجيا والخدمات الغذائية والطيران والتعليم.