"إنه نصاب محترف ببساطة، لقد أخبرتكم قبل ذلك إنه لن يقوم بتنفيذ صفقة شراء "تويتر" والآن أثبتت الأحداث صدق توقعاتي"... هذا ما قاله الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" لمجموعة من مؤيديه خلال تجمع انتخابي قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس حول تراجع "إيلون ماسك" عن صفقة شراء موقع "تويتر".

 

فتراجع "ماسك" عن الصفقة أثار ردات فعل عنيفة مثلما أحدث إقدامه على الصفقة قبل 3 أشهر موجة كبيرة من الانتقادات والدعم على حد سواء.

 

وكان "ماسك" أرسل خطابا إلى تويتر الجمعة أعلن فيه أنه أنهى الاتفاق المبرم في أبريل لشراء المنصة مقابل 54.20 دولار للسهم الواحد أو 44 مليار دولار في المجموع، بما أثار تساؤلات عن أسباب هذا التراجع وتبعاته وعما إذا كان نهائيا أم بمثابة مناورة فقط لتخفيض السعر.

 

مناورة؟

 

"جوش ويلفي" الخبير في "لوكس كابيتال" أكد أن ما فعله "ماسك" في رأيه لم يكن يتعدى كونه "مناورة" من أجل بيع أسهم بقيمة 8.5 مليار دولار في "تسلا" وتسييل بعض أصوله الأخرى، ربما لاستخدامها في مشاريع غير ظاهرة حاليا، مشيرا إلى أن خسارة الملياردير الأمريكي لن تتعدى مليار دولار سيدفعها -إذا خسر القضية- وهي المنصوص عليها في العقد.

 

ويشير "ويلفي" إلى أن بيع "ماسك" المفاجئ وغير المبرر لأسهم في "تسلا" بقيمة كبيرة كان سيتبعه انخفاض كبير في قيمة الشركة التي تقوم في نسبة كبيرة من قيمتها على اقتناع بعض المستثمرين به، وبالتالي إذا كان هو يبيع الأسهم فسيتبعونه بالتأكيد ولكن وجود صفقة "تويتر" أعطى "حجة" منطقية للبيع.

 

 ويرى كثيرون أن طريقة تعامل "ماسك" مع موظفي تويتر من خلال الرد على رئيس الشركة بتعبير "الفضلات" وعقد اجتماع وصفه المشاركون بـ"العاصف" مع الموظفين واصطدم بهم بشدة وانتقد طريقة عملهم بشكل لاقى استهجان كثيرين بل وتخوفهم على مستقبلهم كان بمثابة وسيلة لدفع الشركة للتراجع عن الصفقة.

 

كما يشير البعض إلى الأمر برمته عبارة عن مناورة من جانب "ماسك" لتخفيض سعر الصفقة، وهو أمر ممكن وإن كان بلا برهان، لكن لا أحد يعرف ما الثمن الذي يمكن أن يسمح باتفاق بين ماسك وتويتر حاليا بينما خسر سهم المجموعة حوالي 30% من  قيمته منذ أبريل.

 

الأسباب الأخرى

 

وفي دفوع فريق "ماسك" القانوني برزت نقطتان، الأولى تتعلق بعدم تقديم الموقع ما يثبت أن الحسابات المزيفة "bots" لا تتخطى 5% من حسابات الموقع، وسط مخاوف الفريق التقني لـ"ماسك" من تخطي تلك النسبة لـ10% "وربما بكثير".

 

والانعكاس الاقتصادي لهذا الأمر هو في تدني مصداقية الموقع لدى المعلنين، فالمُعلن الذي ينفق 10 آلاف دولار ليرى إعلانه 10 ملايين مستخدم على سبيل المثال سينفق نفس الرقم ليرى إعلانه 8 ملايين مستخدم فقط و2 مليون روبوت مثلا وهو أمر يقوض اقتصادات الموقع.

 

وعلى الرغم من إعلان "ماسك" نيته التخلي عن الإعلانات والاعتماد على تحصيل الاشتراكات من المستخدمين في المقابل إلا أن وجود الكثير من الحسابات المزيفة سيعني أن عليه رفع الاشتراك الذي كان على المستخدمين دفعه (كان التوقع بدولارين وربع فقط) مما سيؤثر على الإقبال على الموقع.

 

أما النقطة الثانية التي أثارها فريق "ماسك" القانوني فهي قائمة على مخالفة الموقع لشروط الصفقة من خلال تسريح بعض العاملين فيه، وهو ما من شأنه التأثير على "جودة فريق العمل في الموقع"، ويختلف الخبراء القانونيون في مدى جدارة تلك المبررات كأسباب لفسخ الصفقة (وإن انحاز أغلبهم للشركة).

 

معركة قانونية طويلة إلا إذا...

 

القضية قد تستغرق وقتًا وقد تحمل الكثير من وجهات النظر القانونية، لا سيما بعد قرار "تويتر" بالاستعانة بشركتين كبيرتين للمحاماة في دعواها ضد "ماسك" واستعانة الملياردير بشركة كبيرة مكنته من ربح دعوى تشهيرعام 2019.

 

ومن المرجح أن يتضرر سهم الشركة كثيرًا، حيث يشير "دان إيفس"، مدير باحثي القطاع التقني في شركة "ويدبوش سيكيورتي"، إلى أن سهم المنصة قد يستمر في التراجع ليتراوح سعره ما بين 25 إلى 30 دولارا في الفترة المقبلة وفقًا لتقديراته في ظل تعرض المنصة لضربة مؤثرة، فضلا عن المخاوف "الطبيعية" المتعلقة بمستقبل الشركة، مع الانكماش الاقتصادي وتراجع حصيلة الإعلانات بشكل طبيعي.

 

وفي المقابل غالبا ما سيتمتع "ماسك" بارتفاع نسبي في أسهم "تسلا" في ظل تراجع المخاوف المتعلقة بقدرته على إدارة الشركات المملوكة له مجتمعة، وإن تعرض لضرر أهم متمثل في صورته كـ"مستثمر جاد".

 

وستكون النتيجة -ما لم يعد الطرفان للتفاوض إن كان الأمر مناورة من "ماسك" بالفعل- واحدة من أربع، إما الانحياز لمالك "تسلا" وإقرار تراجعه واعتماد دوافعه، أو تغريمه مليار دولار فحسب نتيجة لتراجعه عن الصفقة، أو أكثر إذا رأت المحكمة "سوء نية" في تصرفات "ماسك"، أو قد تُجبر الأخير على تنفيذ الصفقة بحكم القانون.

 

وبغض النظر عن النتيجة، لكن المؤكد أن الطرفين سيعانيان بدرجة أو بأخرى، أو كما قال المحلل "دان إيفز": "إنها واحدة من أكثر القضايا الاقتصادية التي تابعتها جنوناً على الإطلاق. من البداية يبدو الأمر كأنه سيرك وهو ينتهي مثل السيرك".